فصل: قال محمد أبو زهرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الكَرْماني:

سورة الأنبياء:
305- قوله تعالى {ما يأتيهم من ذكر ربهم محدث} 2 وفي الشعراء: {وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث} 5 خصت هذه السورة بقوله: {من ربهم} بالإضافة لأن الرحمن لم يأت مضافا ولموافقته ما بعد وهو قوله: {قال ربي يعلم} 4 وخصت الشعراء بقوله: {من الرحمن} 5 لتكون كل سورة مخصوصة بوصف من أوصافه وليس في أوصاف الله اسم أشبه باسم الله من الرحمن لأنهما اسمان ممنوعان أن يسمى بهما غير الله عز وجل ولموافقة ما بعده وهو قوله: {لهو العزيز الرحيم} 9 لأن الرحمن الرحيم مصدر واحد.
306- قوله: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا} 7 وبعده {وما أرسلنا من قبلك} 25 كلاهما لاستيعاب الزمان المتقدم إلا أن من إذا دخل دل على الحصر بين الحدين وضبطه بذكر الطرفين ولم يأت {وما أرسلنا قبلك} 7 إلا هذه وخصت بالحذف لأن قبلها {ما آمنت قبلهم من قرية} 6 فبناه عليه لأنه هو وأخر من في الفرقان {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم} 20 وزاد في الثاني {من قبلك من رسول} 21 25 22 52 على الأصل للحصر.
307- قوله: {كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} 35 وفي العنكبوت {ثم إلينا ترجعون} 57 لأن ثم للتراخي والرجوع هو الرجوع إلى الجنة أو النار وذلك في القيامة فخصت سورة العنكبوت به وخصت هذه السورة بالواو لما حيل بين الكلامين بقوله: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} 35 وإنما ذكرا لتقدم ذكرهما فقام مقام التراخي وناب بالواو منابه.
208- قوله: {وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا} 36 وفي الفرقان {وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا} 41 لأنه ليس في هذه الآية التي تقدمتها ذكر الكفار هنا فصرح باسمهم وفي الفرقان قد سبق ذكر الكفار فخص الإظهار بهذه السورة والَكِناية بتلك.
309- قوله: {ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا} [52-53] وفي الشعراء {قالوا بل وجدنا} 74 بزيادة {بل} لأن قوله: {وجدنا آباءنا} 53 جواب لقوله: {ما هذه التماثيل} 52 وفي الشعراء أجابوا عن قوله: {ما تعبدون} 70 بقولهم: {نعبد أصناما} 71 ثم قال: {هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون} 72 73 فأتى بصورة الاستفهام ومعناه النفي {قالوا بل وجدنا} أي قالوا لا بل وجدنا عليه آباءنا لأن السؤال في الآية يقتضي في جوابهم أن ينفوا ما نفاه السائل فأضربوا عنه إضراب من ينفي الأول ويثبت الثاني فقالوا بل وجدنا فخصت السورة به.
310- قوله: {وأرادوا به كبدا فجعلناهم الأخسرين} 70 وفي الصافات: {الأسفلين} 98 لأن في هذه السورة كادهم إبراهيم عليه السلام بقوله: {لأكيدن أصنامكم (98)} وكادوا هم إبراهيم بقوله: {وأرادوا به كيدا} فجرت بينهم مكايده فغلهم إبراهيم لأنه كسر أصنامهم ولم يغلبوه لأنهم لم يبلغوا من إحراقه مرادهم فكانوا هم الأخسرين. وفي الصافات: {قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم} 97 فأججوا نارا عظيمة وبنوا بنيانا عاليا ورفعوه إليه ورموه منه إلى أسفل فرفعه الله وجعلهم في الدنيا من الأسفلين وردهم في العقبى أسفل سافلين فخصت الصافات بالأسفلين.
311- قوله: {ونجيناه} 71 بالفاء سبق في يونس ومثله في الشعراء: {فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين} 170- 171.
312- قوله: {وأيوب إذ نادى ربه} 83 ختم القصة بقوله: {رحمة من عندنا} 84 وقال في ص {رحمة منا} 43 لأنه هنا بالغ في التضرع بقوله: {وأنت أرحم الراحمين} 83 فبالغ سبحانه في الإجابة وقال: {رحمة من عندنا} 83 لأن عند حيث جاء دل على أن الله سبحانه تولى ذلك من غير واسطة وفي ص لما بدأ القصة بقوله: {واذكر عبدنا} 41 ختم بقوله: {منا} ليكون آخر الآية متفقا بأول الآية.
313- قوله: {فاعبدون وتقطعوا} 92 93 وفي المؤمنين: {فاتقون فتقطعوا} 52 53 لأن الخطاب في هذه السورة للكفار فأمرهم بالعبادة التي هي التوحيد ثم قال: {وتقطعوا} 93 بالواو لأن التقطع قد كان منهم قبل هذا القول لهم ومن جملة خطاب المؤمنين فمعناه داوموا على الطاعة وفي المؤمنين الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بدليل قوله: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} 51 والأنبياء والمؤمنون مأمورون بالتقوى ثم قال: {فتقطعوا أمرهم} 53 أي ظهر منهم التقطع بعد هذا القول والمراد أممهم.
314- قوله: {والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها} 91 وفي التحريم: {فنفخنا فيه} 13 لأن المقصود في هذه السورة ذكرها وما آل إليه أمرها حتى ظهر فيها ابنها وصارت هي وابنها آية وذلك لا يكون إلا بالنفخ في حملها وتحملها والاستمرار على ذلك إلى ولادتها فلهذا اختصت بالتأنيث. وما في التحريم مقصور على ذكر إحصانها وتصديقها بكلمات ربها وكأن النفخ أصاب فرجها وهو مذكر والمراد به فرج الجيب أو غيره فخصت بالتذكير. اهـ.

.فصل في التعريف بالسورة الكريمة:

.قال الألوسي:

سورة الأنبياء نزلت بمكة كما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم وفي البحر أنها مكية بلا خلاف وأطلق ذلك فيها واستثني منها في الاتفاق قوله تعالى: {أفلا يرون أنا نأتي الأرض} الآية.
وهي مائة واثنتا عشرة آية في عد الكوفي وإحدى عشرة في عد الباقين كما قاله الطبرسي والداني ووجه اتصالهما بما قبلهما غني عن البيان وهي سورة عظيمة فيها موعظة فخيمة فقد أخرج ابن مردوية وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن عامر ابن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب فأكرم عامر مثواه وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه الرجل فقال: إني استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم واديا ما في العرب واد أفضل منه وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك فقال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا {اقترب للناس} إلى آخره. اهـ.

.قال محمد أبو زهرة:

سورة الأنبياء:
تمهيد:
هي جديرة باسمها، لأن فيها قصصا من أخبار النبيين، وهو غير مكرر مع ما ذكر في غيرها من القصص، فكل قصة لست جزءا من القصة هو عبرة في موضعها غير مكرر مع غيره، وقد نبهنا إلى ذلك من قبل، وضربنا المثل بقصة بدء خلق الإنسان، والمفارقات. وسورة الأنبياء سورة مكية وآياتها اثنتا عشرة آية ومائة. وقد ابتدأت السورة الكريمة بذكر الساعة وقربها وما وراءها من حساب على ما قدمت أيديهم، {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)} ويأخذون الحياة لعبا ولهوا حتى ما يكون تذكيرا باليوم الآخر {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ}.
وقالوا لكل رسول جاءهم {هل هذا إلا بشر مثلكم أفتاتون السحر وأنتم تبصرون}، واتهموا كل رسول يرسل إليهم بأن كلامه أضغاث أحلام وأن كلامه افتراء افتراه على الله تعالى، {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ} ويذكر العبرة في حال من سبقوا {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكِناهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)} ويخاطب نبيه فيقول: {وما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وما جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وما كَانُوا خَالِدِينَ (8)}.
ولقد كفر أقوامهم فصدق الله تعالى وعده لأنبيائه فأنجاهم وأهلك الكافرين لأنهم أسرفوا في الضلال، وبين للنبى- صلى الله عليه وسلم- أنه مذكور في الكتب قبله، وأن الكتاب الذي أنزله الله إليكم فيه ذكركم ورفعتكم، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أنه أهلك الذين من قبلهم لضلالهم، {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوما آخَرِينَ (11)}. وقد أحسوا الهلاك النازل بهم عند نزوله: {فَلَمَا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)}.
وقد بين سبحانه وتعالى خلق السموات والأرض ودلالتها على وحدانية الخالق، وأنه مالك السموات والأرض {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرض هُمْ يُنْشِرُونَ (21)}.
ولقد جاء إثبات الوحدانية بدليل يجمع بين البلاغة وأعلى درجات المنطق فقال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)}.
ولقد تحداهم سبحانه أن يأتوا بما يدل على ألوهية غيره سبحانه فقال: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)}.
وقد أشار سبحانه من بعد إلى أنه قد أرسل رسلا من قبلكم وكانت دعوتهم التوحيد الخالص ونفى سبحانه عن ذاته العلية اتخاذ الولد {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)}.
ونفى سبحانه أن يقول أحد ممن ادعوا أنهم أبناء الله، ومن يقل بذلك يجزيه جهنم وكذلك يجزى الله الظالمين.
وقد أتى سبحانه بقضية كونية لم يصل إليها العلم إلا في العصور المتأخرة، وهو أن السموات والأرض كانتا شيئا واحدا فقال: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرض كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)}.
وبين بعد ذلك ما في الأرض من جبال راسيات، ومن مهاد، ومن فجاج وسبل، وجعل السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون، وبين سبحانه أنه خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون، وأن نهاية النفوس جميعا إلى الموت {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)}، ثم أشار سبحانه إلى استهزاء المشركين يقولون عند رؤية النبى- صلى الله عليه وسلم- أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون، وقد أشار سبحانه إلى ما في الإنسان في طبيعته من الاستعجال، ويستعجلون العذاب {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} ثم بين سبحانه حال الكافرين {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)}.
ولقد ذكر الله تعالى لتسلية النبى صلى الله عليه وسلم ما كان يفعله السابقون من السخرية برسلهم وحاق بالذين سخروا ما كانوا به يستهزئون.
ثم نبه سبحانه إلى ما أنعم به عليهم من نعم وهى دائمة {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)}.
وليس لهم من يمنعهم من الله، وأنه سبحانه متع هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم وظنوا أنه لا حساب، وقد وجدوا عقاب الله تعالى لمشركى مكة بالحرب التي كانت تنقص عليهم الأرض من أطرافها.
ولقد أشار سبحانه إلى موسى وهارون وقد آتاهم ما أضاء الحق وذكر المتقين، وما كان فرقانا بين الهدى والضلال، وهذا ذكر مبارك وهو القرآن، أفأنتم معشر المشركين له منكرون.
ذكر بعد ذلك شيئا من مجاوبة إبراهيم لعبَّاد الأوثان قائلا لهم: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرض الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)}.
وحطم أصنامهم ووضع الفأس التي حطمها بها في عنق كبيرهم، ثم جاءوا وتحروا فوقعت الظنة على إبراهيم فأرادوا أن يحرقوه بالنار فجعلها الله تعالى بردا وسلاما على إبراهيم، وهذا القدر من قصة إبراهيم لم يذكر في أى سورة أخرى، مما يدل على أنه لا تكرار في قصص القرآن، وإن بدا ذلك بظاهر الأمر لمن لم يفحص مرامى القصص وموضع العبرة فيه، وقد جرت بين الشاب وبينهم مجادلات في عبادة الأوثان، حتى انتهى إلى قوله لهم: {أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون}.
ونجى الله من كيدهم إبراهيم كما نجى الله تعالى لوطا. وذكر سبحانه بعد ذلك ما وهبه له من إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعله الله من الصالحين وجعلهم أئمة يهدون بأمره، ويقول سبحانه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)}. ثم ذكر نوحا: {إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)}.
وذكر سبحانه داود وسليمان، وقضايا سليمان وما فهمه سبحانه وتعالى من الحكم فيها وما علمه لداود من صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون، وما مكن سبحانه وتعالى لسليمان، وقال: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)}.
وقص سبحانه قصة نبى الله تعالى أيوب وما أصابه من ضر وصبره لما أصابه {إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)}، وقد استجاب له الله تعالى، وكشف ما به من ضر وقال سبحانه: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)}.